التيار الإسلامي يشمل كل العاملين لصالح المشروع الإسلامي في العالمين: الإسلامي، والعربي، والدول الكبرى: هي تلكم الأمم (الأكلة) التي تتداعى على القصعة (بلاد العرب والمسلمين) لتأخذ منها حظها، والآكلون يتقاتلون علينا، والقوي منهم له النصيب الأكبر، ونحن – المسلمين – اللقمة الشهية الهنية بالنسبة إليهم، فلا يحسبون لنا أي حساب، ولا سيما بعد أن أضعنا الخلافة الإسلامية في مطلع القرن العشرين الميلادي؛ على الرغم مما أصابها من الوهن، وما ألم بها من عوامل الخراب؛ لكنها كانت حصنا يتآكل، وكان من الممكن تجديد البناء، ولكن قوة التخريب القادمة من وراء الحدود، والقوة النامية داخل الحدود، والمتحالفة معها!!! سارعت إلى إسقاط الحصن؛ ثم جاءت اتفاقية سايكس بيكو ولما تنته الحرب العالمية الأولى، فجزأت الأمة، وأضاعت فلسطين، وأبعدتنا عن هويتنا إلا ما بقي من الأحوال الشخصية، وبعض مظاهر الشريعة التي تدخل بما يسمى (قانون العقوبات) ثم حافظت على بعض الشعائر التي وحدها لا تجعل المجتمع إسلاميا بالمعنى الصحيح، وإن بقي الناس – والحمد لله - مسلمين يتطلعون إلى عودة الخلافة والأمة إلى هويتها.
ما زال المشهد العربي الذي تمخض عن الحراك الذي بدأ بتونس، فمصر، وليبيا، واليمن، ثم سوريا!!! ليس له ملامح واضحة، ولا شخصية متميزة، ولا يعرف إلى هذا الوقت المستقبل الحقيقي للمنطقة، وعلى ما يبدو أن هناك سايكس بيكو جديد على الطريقة الغربية، والشرقية، والباطنية (أمريكا وروسيا والصين وإيران) وحلفاء هذه الدول.
في ظل هذا الواقع يحارب التيار الإسلامي، ومعه الشعوب المسلمة الراغبة في عودة الأمة إلى عزها وقوتها، ولن يكون هذا إلا بالعودة الحقيقية إلى الإسلام (عقيدة وشريعة، وشعائر، وأخلاق)، وهذا المطمح يصطدم بمطامع التيار العالمي (سايكس بيكو الجديد)، ولن يسمح هذا العدو القديم الجديد بقيام الشخصية الإسلامية المتمثلة في دولة، ولو أدى به إلى احتلال المنطقة على الطريقة الفرنسية البريطانية عقب سقوط الدولة العثمانية، وبروز قوة الحلفاء، وأعتقد أن هذا النوع من التفكير غير وارد في أذهانهم لأسباب كثيرة، وإنما يبحثون عن صيغ جديدة تحافظ على المعادلة القديمة مع شيء من التجميل في الشكل.
إن المواجهة مع التيار العالمي المستكبر لم ولن تنتهي "وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ"سورة البقرة، وأعان الله التيار الإسلامي (أفضل استعمال هذا المصطلح على الرغم من أني أعلم أنه غير متجانس في رؤيته إلى الحل، وتقديم ما يستحق أن يقدم، وتأخير ما يجب أن يؤخر، كما أنه مضطرب في فهمه للسياسة الشرعية التي تقود الأمة إلى مستقبلها المشرق القادم بإذن الله) على هذه المعركة الشرسة.
وعلى الرغم من التنازلات التي قدمها التيار الإسلامي أمام التيار العالمي، وهذا التنازل – كما قال زعماء التيار الإسلامي – كان نتيجة للمستجدات العالمية (الضغوط) والتي تدخل تحت باب المرحلية، ودرء المفسدة الكبرى، واحصل على الممكن ثم اطلب ما لا يمكن!!!! أقول على الرغم من هذه التنازلات التي لبست ثوب الشرعية!! ما زال التيار العالمي (الصليبية واليهودية وأداتها الباطنية) غير راض عن التيار الإسلامي، ولن يسمح له باستلام مقود الأمة، ومراكز القرار فيها، ومواقع التأثير.
إن ما تشهده الساحة المصرية والليبية واليمنية والتونسية، وما ستؤول إليه الأمور في سوريا وغيرها مما هو آت، ليبرهن بجلاء ووضوح على هذه الرؤية التي أقدمها في هذا المقال. والأيام حبالى، والمشهد لم ينته بعد.
إن الذي جعلني أضع بين يدي القراء الأفاضل هذه الرؤية- هو أني متابع لما يجري على الساحة السورية التي لم تتبلور صورتها، وما سبقها (وهي الحالة في مصر وغيرها)، وكنت أستمع إلى التحليلات السياسية وما ينفث من سموم المحللين الموالين للأنظمة السابقة التي سقطت ظاهريا والتي في الحقيقة لم تسقط بعد! – تؤكد هذه التحليلات على أن مطابخ القوم تعد المشاريع التي ستخرج الأمة إخراجا جديدا في شكله، مع المحافظة على جوهر سايكس بيكو القديم، وربما تدخل بعض التعديلات على الشكل إذا اقتضت المصلحة! يقول غسان سلامة في لقاء له مع العربية: من سوء حظ السوريين!! أن اللقاء الأمريكي الروسي (الحوار حول مستقبل سوريا) لم يبدأ إلا منذ أسبوعين أي بعد أن دخلت المشكلة السورية شهرها الخامس عشر، وأن الخلاف بين العملاقين - بتصرف – خلاف على المصالح أي بتعبير آخر: الآكلون للقصعة مختلفون على حظوظهم، وحظوظ أتباعهم على تقسيم الحصص!! وأما ما جرى من سفك الدماء وهتك الأعراض وقتل الأطفال والنساء والتمثيل بالجثث، وهدم الممتلكات، وتشريد الناس، وحرق المزروعات، فأمر لا يستحق عندهم شيء، فالمهم هو الحيلولة دون وصول التيار الإسلامي إلى الحكم الذي سيغير المعادلة، وهذا لن يكون - بنظرهم - مهما كلفهم من جهد ووقت.
لذلك فعلى التيار الإسلامي ألا يقدم التنازلات على حساب دينه تحت أية ذريعة، وأن يطلب من المسلمين العودة الحقة إلى الله تعالى، وفي هذا يكمن النصر بإذن الله تعالى على الرغم من أنوف التيار العالمي المستكبر، ثم على التيار الإسلامي أن يوحد صفوفه، ويؤجل الخلافات الفرعية التي تفرق ولا تجمع، فالمعركة شرسة مع العدو، ولن تكون سهلة، وقد تكون قد بدأت، أو أنها ستبدأ، ويبدو أن ملامحها ظهرت في الانتخابات المصرية، وما يجري من خروقات على الساحة التونسية والليبية واليمنية، وما يتكشف من خيوط حلول للمسألة السورية. والله الله أيها التيار الإسلامي ألم تسمعوا قول الحق سبحانه: ((ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ...))سورة الأنفال، نقوا صفوفكم من المرتزقة، وطلاب الهوى والدنيا، وسيروا على بركة الله مهما كلفكم من تضحيات بحسب قدراتكم، ولن يكلف الله نفسا إلا وسعها.
( اللهم آعز الإسلام والمسلمين وأذل آلشرك والمشركين ودمر آعداء الدين)
اللهم آمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق